الاثنين، 5 يونيو 2017

أزمة الثانوية العامة

أستاذ بجامعة قناة السويس يضع روشتة لحل أزمة الثانوية العامة

امتحان الثانوية، العمر في ساعتين: نحتاج لتجربه مصرية خالصه.
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ 

الدروس الخصوصية، الكتب الخارجية، الغش وتسريب الامتحانات، نتفق أو نختلف حول الكثير من ملامح هذه الأعراض وأسبابها ومبرراتها وأحياناً أهميتها لكن سنتفق على أنها كلها أعراض لمرض واحد تعود جذوره لما أصاب مجتمعنا من فترة طويلة وهو التقليد. ربما تكون هذه إجابة غير متوقعة لكن إذا تأملنا محاولاتنا لحل مشكلاتنا سنجدها منذ زمن طويل هي استيراد لحلول وتجارب ومحاولة تقليدها وضبطها لتتوافق مع مجتمعنا ونظامنا التعليمي وفي رأيي المتواضع أن ذلك من أكبر الأخطاء المتكررة في محاولات الاصلاح لتعليمنا ومشكلاته بالمراحل المختلفة؛ حيث أجد أننا في حاجه ملحة لحلول وتجارب مصرية فريدة نابعة ممن يعانون المشكلات أنفسهم، حلول نابعة من المعلمين، الطلاب وأولياء الأمور وربما لا يقل ذلك في أهميته عن الاصغاء وطلب المشورة من المتخصصين في التربية والتعليم وأساتذة التربية وعندما أقول أساتذة التربية فأنا أعنيها هنا بكل حروفها ومعانيها بدلاً من أن يكون هذا القطاع مهنة من لا مهنة له وتكون المناصب فيه لمن لا منصب له. التعليم ليس هذا المجال الذي يقبل الاجتهاد من أي خلفية أخرى مع احترامي لكل المهن والخلفيات إلا أنه علم يستوجب البحث والاستقصاء والتجريب ربما أكثر من البحث والتجريب الأولي والاستطلاعي لقرص دواء، فقرص الدواء قد يميت مريض لكن التعليم يمكنه أن يميت أمه ويقتل هويتها ويسطح عقلية مواطنيها.

وفي محاولات التغلب على الكثير من ملامح واقعنا التعليمي، لا يعتبر أبداً نقد المحاولة هجوماً عليها فالمحاولة في حد ذاتها شرف ولها احترامها عن كثيرين فضلوا السير على قضبان رسمتها السنين وتضيع المزيد منها وهذا التفضيل هو تفضيل للعيش الشخصي في هدوء وسلام دون التعرض لنصيب مكتوب على كل من يحاول التفكير والتغيير، لذلك وفي مستهل هذه المقال القصيره يجب أن نقدم الشكر لكل من يحاول تغيير واقعنا التعليمي حتى وان اختلفنا معه، فالاختلاف في العلم والرأي قوة واخلاص للمصلحة العامة وفي السكوت والنفاق والوفاق تضييع للأمانة وعدم إخلاص لهذا البلد عندما يكون ذلك دون مبرر علمي.

وقبل الحديث عن نظام البوكليت وتقديم اقتراح أطرح سؤال واجابته لديك عزيزي القاري توضح أننا نعالج دائماً عرض تحت ضغوط وابتزازات للطالب بل وابتزاز للقائمين على نظام التعليم أنفسهم تحت ضغط مجتمعي ورأي عام عن حدوث غش أو تسريب امتحان، وحتى يستطيع المتعامل مع تطوير نظام التعليم التغلب على مشكلاته يجب الخروج من تأثير أي ضغوط، يمكن ذلك بالاجابة المتعمقه للسؤال البسيط التالي:

ما الفارق بين تسريب الامتحان بنسبة مطابقة ١٠٠٪ وتوقع معلمي الدروس الخصوصيه والكتب الخارجيه له بنسبة ٩٥٪؟؟؟

نظام “البوكليت” يعد من أهم بل أبرز محاولات تطوير التعليم التي خرجت من الدوائر القديمة لمجرد الاقتراحات إلى العمل الفعلي حتى ولو اختلفت معه هي تجربة البوكليت؛ حيث سرعة التنفيذ والاستفادة في التنفيذ بآراء المتخصصين، لكن أرى أن الحلول الفاعله والفعالة يجب أن تكون كاملة شاملة لا تتناول جانب أو عرض وتهمل باقي الجوانب أو المرض الأساسي، لذلك لا أرى أن نظام البوكليت حلاً كاملاً لأزمة الثانوية العامة ومشكلات الغش والتسريب إلى آخر تلك الظواهر والتي تتنوع أساليبها فقد تختفي بطريقة وتظهر في ثوب جديد بسبب أننا عالجنا كما قلت جانب واحد من جوانب المشكلة وهو التقويم أو قل الامتحانات. بل أن نظام البوكليت نفسه قد يتحول بعد قليل إلى مشكلة في حد ذاته فهو ليس حل لمشكلة الغش بين الطلاب طالما بقي الهدف الأساسي والرئيسي للطالب هو اجتياز الامتحان وتحصيل أكبر مجموع كلي ممكن في النهاية كنتيجة لخوض باقي الامتحانات في المواد المختلفة. الغش والتسريب للامتحانات حتى لو قضينا عليه بشكله المعروف سيظهر بشكل آخر وأقرب هذه الأشكال مع نظام البوكليت والذي لا يناسب نظام تعليمنا هو بداية تكوين الطلاب والمعلمين في الدروس الخصوصية لما يعرف ببنوك الأسئلة وتخمينات نماذج الامتحانات، هذه العملية ستكون أسهل وأكثر تفشي في مجتمع الدروس الخصوصية عن السنوات السابقة فكلما كان الاختبار او الامتحان كثير العناصر التي تتميز اجاباتها بالاجابات القصير المغلقة او شبه المغلقة سيسهل على معلم الدرس الخصوصي عمل ما نعرفه جميعاً وأعتبره آفه في التعليم المصري تحت مسميات قصيره منها التوقعات المرئية، النماذج النهائية، مراجعة ليلة الامتحان إلى تسميات العلامات التجارية لملخصات الدروس الخصوصية كالشامل في الامتحان الكامل، توقعات الاستاذ علاء في مادة الفيزياء وحتى ما يوجد في نهاية الكتب الخارجية من تجميعة الامتحانات للسنوات السابقة بالادارات المختلفة وأحياناً توقعات لها وكثيراً ما تتشابه التوقعات والتخمينات بنسبة كبيره مع الامتحانات الفعلية، هذا هو ما أقصده من سهولة تخمين الامتحانات والتي تتلاقى بشكل أو بآخر لرفضي لموضوع تسريبات الامتحانات فالمحصلة واحده وان كانت في التوقعات والتخمينات بنسبة مطابقة تقل عن ١٠٠٪. نظام البوكليت سييسر على المعلم في الدروس الخصوصية القيام بذلك وسيحول الثانوية العامة أكثر مما هي الآن وسابقاً إلى مسابقة فوازير وتخمينات للامتحانات التي سوف تصبح مجال وحرفة جديده عند المدرس الذي قد يقتصر دوره على تحفيظ الطالب وتدريبه على نماذج لتخمينات أسئلة البوكليت، بحيث يحفظ الطالب تلك النماذج وطريقة الاجابة دون تفكير تحت مبدأ “ضرورات المجموع الكلي الكبير تبيح المحظورات” مما يقلل الابداع والابتكار لدى الطالب خاصة مع كثرة أعداد الطلاب وضرورة وجود نماذج للاجابات للمصحح الذي قد يكون مدرس لمادة أخرى في كثير من الأحيان والذي سوف يحتسب بالطبع أعلى الدرجات للطالب المطابق لنموذج الاجابة ونفقد بذلك الطالب الذي تتنوع استجاباته وتتفرد ويبدع ويبتكر في عرضها هذا إن أتاح نظام البوكليت بعض المساحات للاجابة الحرة والذي يضاعف من المشكلة في رأيي.

الصورة السابقة والمصحوبة غالباً بظاهرة الغش ستستمر طالما ظل الهدف في الثانوية العامة هو المجموع الكلي، وطالما لا يوجد طريقة للتقويم أو امتحان قادر على التفريق بين الطالب النابغ والمبدع والمبتكر والطالب محترف الحفظ، وبالتالي يفشل الامتحان تماماً كما يفشل الطالب فيه وذلك عندما يفشل الامتحان في تقييم مهارات وقدرات الطالب المختلفة أبعد من مجرد قدرته على الحفظ، مما يؤثر على المهنة والمكان المناسب لهذا الطالب في المجتمع في مستقبله العملي القريب، هذا لأن الواقع الظاهر لي كتربوي هو أن نظام الثانوية العامة المصري على مر الأجيال يهمل لحد بعيد ما يحدث داخل الفصل الدراسي كما يهمل تحديد مهارات كل طالب ولا يستطيع رسم صوره جيده عن خلفية هذا الطالب ومراعاة فروقه الفرديه والتي قد تؤهله لكليه لا يستطيع الحصول على مجموعها الكلي وفقاً للنظام الحالي، وهنا يجب الاشاره لأهمية التخلي عن فكرة المجموع الكلي والتركيز على المواد المؤهلة لكل كلية على حدة، وتطبيق نظام أقرب لمفهوم "البورتفوليو" والذي أوصي بتوزيعه على الثلاث سنوات جميعها بالثانوية العامة مما يتيح توصيف دقيق لكل طالب ويحدد شخصيته وخلفيته العلمية والمهارية، ويمكن الاعتماد على ذلك جنباً إلى جنب مع امتحان أخير للثانوية العامة ولكن لثلاثة مواد عامة فقط كمواد نجاح ورسوب، أما باقي المواد التخصصية التي يدرسها الطالب وهي تعتبر مواد مؤهله لدخول الكليات المختلفه فترجأ امتحاناتها لتعقد بالكلية التي تتناسب مع بورتفوليو الطالب واعتبارها امتحانات قبول لكل كليه مناظره لتلك المواد المؤهله؛ بحيث لا يتم وضع نماذج إجابات لأسئلتها حتى تقيس مهارات الطالب الفعلية وقدرته على الكتابه العلمية والابداع والابتكار. هذا مع وضع بعض القيود على النظام بحيث يفرض فى حالة رسوب الطالب بالسنة الأولى بالجامعة في الكلية التي اختارها، أن يقوم الطالب بإجراء امتحان قبول أخر في كلية مختلفة قريبه من نفس مجال اختياره وكذلك قريبه من بروفايله الشخصي في بورتفوليو الثلاث سنوات بالثانوية العامة، وبالتالي يتحمل الطالب هنا تبعات اختياره وليس مكتب التنسيق، سيوفر ذلك على الدولة ميزانية ضخمة وهي ميزانية عقد امتحانات ومراقبة ونقل ملاحظين ومراقبين وأيضاً إلغاء التنسيق وتكاليفه وستكون امتحانات المواد المؤهلة داخل الجامعات وذلك من خلال التنسيق بين وزارتى التعليم والتعليم العالى ويصبح دور مكتب التنسيق فقط لتحديد وتنسيق مواعيد عقد اختبارات القبول بالكليات المختلفة، كما أنه سيقضى تماماً على الدروس الخصوصية والكتب الخارجية وما يشكله ذلك من أعباء على الأسرة المصرية فالهدف لم يصبح ١٠٠٪ المجموع الكلي ولن يصبح تقييم عقل وتحديد عمر فقط في ساعتين امتحان.

ـــ ـــ

د. حسين عبد الفتاح

رابط صفحة الدكتور للموضوع الأصلى:


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.